سورة الفجر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفجر)


        


{كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)}
{كَلاَّ} ردع للإنسان عن قوله: ثم قال: بل هناك شرّ من القول. وهو: أنّ الله يكرمهم بكثرة المال، فلا يؤدّون ما يلزمهم فيه من إكرام اليتيم بالتفقد والمبرّة، وحض أهله على طعام المسكين ويأكلونه أكل الأنعام، ويحبونه فيشحون به وقرئ {يكرمون} وما بعده بالياء والتاء. وقرئ {تحاضون} أي: يحض بعضكم بعضاً: وفي قراءة ابن مسعود: {ولا تحاضون} بضم التاء، من المحاضة {أَكْلاً لَّمّاً} ذا لمّ وهو الجمع بين الحلال والحرام. قال الحطيئة:
إذَا كَانَ لَمَّا يَتْبَع الذَّمُّ رَبَّهُ *** فَلاَ قَدَّسَ الرحمن تِلْكَ الطَّوَاحِنَا
يعني: أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم من الميراث ونصيب غيرهم.
وقيل كانوا لا يورّثون النساء ولا الصبيان، ويأكلون تراثهم مع تراثهم. وقيل: يأكلون ما جمعه الميت من الظلمة، وهو عالم بذلك فيلم في الأكل بين حلاله وحرامه. ويجوز أن يذمّ الوارث الذي ظفر بالمال سهلا مهلا، من غير أن يعرق فيه جبينه، فيسرف في إنفاقه، ويأكله أكلا واسعاً جامعاً بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه، كما يفعل الورّاث البطالون {حُبّاً جَمّاً} كثيراً شديداً مع الحرص والشره ومنع الحقوق.


{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)}
{كَلاَّ} ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم. ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فرّطوا فيه حين لا تنفع الحسرة؛ ويومئذ بدل من {إِذَا دُكَّتِ الأرض} وعامل النصب فيهما {يَتَذَكَّرُ} {دَكّاً دَكّاً} دكا بعد دك. كقوله: حسبته بابا بابا، أي: كرّر عليها الدك حتى عادت هباء منبثا.
فإن قلت: ما معنى إسناد المجيء إلى الله، والحركة والانتقال إنما يجوزان على من كان في جهة قلت: هو تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبين آثار قهره وسلطانه: مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم {صَفّاً صَفّاً} ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالجن والإنس {وجاىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} كقوله: {وَبُرّزَتِ الجحيم} [النازعات: 36] وروي: أنها لما نزلت تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه، فأخبروا علياً رضي الله عنه، فجاء فاحتضنه ومن خلفه وقبله بين عاتقيه؛ ثم قال: يا نبيّ الله، بأبي أنت وأمي ما الذي حدث اليوم، ما الذي غيَّرك؟ فتلا عليه الآية. فقال علي: كيف يجاء بها؟ قال: «يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع» أي: يتذكر ما فرّط فيه، أو يتعظ {وأنى لَهُ الذكرى} ومن أين له منفعة الذكرى؟ لابد من تقدير حذف المضاف، وإلا فبين: يوم يتذكر، وبين {وأنى لَهُ الذكرى} تناف وتناقض {قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} هذه، وهي حياة الآخرة، أو وقت حياتي في الدنيا، كقولك: جئته لعشر ليال خلون من رجب؛ وهذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقاً بقصدهم وإرادتهم، وأنهم لم يكونوا محجوبين عن الطاعات مجبرين على المعاصي، كمذهب أهل الأهواء والبدع، وإلا فما معنى التحسر؟ قرئ: بالفتح {يعذب ويوثق}، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي عمرو أنه رجع إليها في آخر عمره. والضمير للإنسان الموصوف. وقيل: هو أبيّ بن خلف أي: لا يعذب أحد مثل عذابه، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه؛ لتناهيه في كفره وعناده، أو لا يحمل عذاب الإنسان أحد، كقوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [الإسراء: 15] وقرئ بالكسر، والضمير لله تعالى، أي: لا يتولى عذاب الله أحد؛ لأنّ الأمر لله وحده في ذلك اليوم. أو للإنسان، أي: لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه.


{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}
{ياأيتها النفس} على إرادة القول، أي: يقول الله للمؤمن: {ياأيتها النفس} إمّا أن يكلمه إكراماً له كما كلم موسى صلوات الله عليه، أو على لسان ملك. و{المطمئنة} الآمنة التي لا يستفزّها خوف ولا حزن، وهي النفس المؤمنة أو المطمئنة إلى الحق التي سكنها ثلج اليقين فلا يخالجها شك، ويشهد للتفسير الأوّل، قراءة أبيّ بن كعب: {يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة} فإن قلت: متى يقال لها ذلك؟ قلت: إمّا عند الموت. وإمّا عند البعث، وإمّا عند دخول الجنة. على معنى: ارجعي إلى موعد ربك {رَّاضِيَةٍ} بما أوتيت {مَّرْضِيَّةً} عند الله {فادخلى فِي عِبَادِى} في جملة عبادي الصالحين، وانتظمي في سلكهم {وادخلى جَنَّتِى} معهم، وقيل: النفس الروح. ومعناه: فادخلي في أجساد عبادي.
وقرأ ابن عباس: {فادخلي في عبدي}، وقرأ ابن مسعود: {في جسد عبدي}.
وقرأ أبيّ: {ائتي ربك راضية مرضية، ادخلي في عبدي} وقيل: نزلت في حمزة بن عبد المطلب. وقيل: في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال: اللهم إن كان لي عندك خير فحوّل وجهي نحو قبلتك، فحوّل الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوّله، والظاهر العموم.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نوراً يوم القيامة».

1 | 2